فصل: ذكر عدة حوادث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر ملك الروم لؤلؤة

وفيها سلمت الصقالبة لؤلؤة إلى الروم وكان سبب ذلك أن أحمد بن طولون قد أدمن الغزوبطرسوس قبل أن يلي مصر فلما ولي مصر كان يؤثر أن يلي طرسوس ليغزومنها أميرا فكتب إلى أبي أحمد الموفق يطلب ولايتها فلم يجبه إلى ذلك واستعمل عليها محمد بن هارون التغلبي فركب في سفينة في دجلة فألقتها الريح إلى الشاطئ فأخذه أصحاب مساور الشاري فقتلوه واستعمل عوضه محمد بن علي الأرمني وأضيف إليه أنطاكية فوثب به أهل طرسوس فقتلوه فاستعمل عليها أرخوز بن يولغ بن طرخان التركي فسار إليها وكان غرًا جاهلا فأساء السيرة وأخر عن أهل لؤلؤة أرزاقهم وميرتهم فضجوا من ذلك وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكون منه ويقولون‏:‏ إن لم ترسلوا إلينا أرزاقنا وميرتنا وإلا سلمنا القلعة إلى الروم‏.‏

فأعظم ذلك أهل طرسوس وجمعوا من بينهم خمسة عشر ألف دينار ليحملوها إليهم فأخذها أرخوز ليحملها إلى أهل لؤلؤة فأخذها لنفسه‏.‏

فلما أبطأ عليهم المال سلموا القلعة إلى الروم فقامت على أهل طرسوس القيامة لأنها كانت شبحًا في حلق العدو ولم يكن يخرج للروم في بر أوبحر إلا رأوه وأنذروا به واتصل الخبر بالمعتمد فقلدها أحمد بن طولون واستعمل عليها من يقوم بغزوالروم ويحفظ ذلك الثغر‏.‏وفي هذه السنة مات مساور الشاري وكان قد رحل من البوازيج يريد لقاء عسكر قد سار إليه من عند الخليفة فكتب أصحابه إلى محمد بن خرزاد وهوبشهرزور ليولوه أمرهم فامتنع وكان كثير العبادة فبايعوا أيوب ابن حيان الوارقي البجلي فأرسل إليهم محمد بن خرزاد لي

ذكر لهم أنه نظر في أمره فلم يسعه إهمال الأمر لأن مساورًا عهد إليه فقالوا له‏:‏ قد بايعنا هذا الرجل ولا نغدر به فسار إليهم فيمن بايعه فقاتلهم فقتل أيوب بن حيان فبايعوا بعده محمد بن عبد اله بن يحيى الوارقي المعروف بالغلام فقتل أيضا فبايع أصحابه هارون بن عبد الله البجلي فكثر أتباعه وعاد عنه ابن خرزاد واستولى هارون على أعمال الموصل وجبى خراجه‏.‏

وفيها كانت وقعة بين موسى والأعراب فوجه الموفق ابنه أبا العباس المعتضد في جماعة من قواده في طلب الأعراب‏.‏

وفيها وثب الديراني ابن أوس فكبسه ليلا فتفرق عسكره ونهبه ومضى ابن أوس إلى واسط‏.‏

وفيها ظفر أصحاب يعقوب بن الليث بمحمد بن واصل فأسروه‏.‏وفيها مات عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المعتمد سقط بالميدان من صدمة خادم له فسال دماغه من منخريه وأذنه فمات لوقته وصلى عليه الموفق ومشى في جنازته واستوزر من الغد الحسن بن مخلد فقدم موسى بن بغا سامرا فاختفى الحسن واستوزر مكانه سليمان بن وهب ودفعت دار عبيد الله إلى كيغلغ‏.‏

وفيها أخرج أخوشركب الحسين بن طاهر عن نيسابور وغلب عليها وأخذ أهله بإعطائه ثلث أموالهم وسار الحسين إلى مرووبها ابن خوارزم شاه يدعولمحمد بن طاهر‏.‏

وفيها سير محمد صاحب الأندلس ابنه المنذر في جيش كثير وجعل طريقه على ماردة فلما جاز ماردة إلى أرض العدوتبعه تسع مائة فارس من العسكر فخرج عليهم جمع كثر من المشركين قد استظهر فاقتتلوا قتالًا كثيرًا صبروا فيه وقتل من المشركين عدد كثير ثم استظهر ابن الجليقي ومن معه من المشركين على التسعمئة فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم وأكرمهم الله بالشهادة‏.‏

وفيها ابتدأ إبراهيم أمير إفريقية ببناء مدينة رقادة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن حرب الطائي الموصلي أخوعلي بن حرب توفي بآذنة من بلد الثغر‏.‏

  حوادث سنة أربع وستين ومائتين

في هذه السنة أسرت الروم عبد اله بن رشيد بن كاوس‏.‏

وكان سبب ذلك أنه دخل بلد الروم في أربعة آلاف من الأهل الثغور الشامية فغمن وقتل فلما رحل عن الساندون خرج عليه بطريق سلوقية وبطريق قرة كوكب وخرشنة فأحدقوا بالمسلمين فنزل المسلمون وعرقبوا دوابهم وقاتلوا فقتلوا إلا خمس مائة فإنهم حملوا حملة رجل واحد ونجوا على دوابهم وقتل الروم من قتلوا وأسروا عبد الله بن رشيد بعد شربات أصابته وحمل على ملك الروم‏.‏

  ذكر أخبار الزنج

هذه السنة ودخولهم واسط قد ذكرنا سنة اثنتين وستين ومائتين مسير سليمان بن جامع إلى البطائح وما كان منه مع أغرتمش فلما أوقع به كتب إلى صاحبه يستأذنه في المسير إليه ليحدث به عهدا ويصلح أمور منزله فأذن له في ذلك فأشار عليه الحياتي أن يتطرق إلى عسكر تكين البخاري وهوبيزدود فقبل قوله وسار إلى تكين فلما كان على فرسخ منه قال له الحياتي‏:‏ الرأي أن تقيم أنت عاهنا وأمضي أنا في السميريات وأجر القوم إليك فيأتونك وقد تعبوا فتنال منهم حاجتك‏.‏

ففعل سليمان ذلك وجعل بعض أصحابه كمينا ومضى الحياتي إلى تكين فقالته ساعة ثم تطارد لهم فتبعوه فأرسل إلى سليمان يعلمه ذلك وقال لأصحابه وهوبين يدي أصحاب تكين شبه المنهزم ليسمع أصحاب تكين قوله فيطمعوا فيه‏:‏ غررتموني وأهلكتموني وكنت نهيتكم عن الدخول ها هنا فأبيتم ولا أرانا ننجومنه‏.‏

وطمع أصحاب تكين وجدوا في طلبه وجعلوا ينادون‏:‏ بلبل في قفص فما زالوا كذلك حتى جازوا موضع الكمين وقاربوا عسكر سليمان وقد كمن أيضًا خلف جدر هناك فخرج سليمان إليهم في أصحابه فقاتلهم وخرج الكمين من خلفهم وعطف الحياتي على من في النهر فاشتد القتال فانهزم أصحاب تكين من الوجوه كلها وركبهم الزنج يقتلونهم ويسلبونهم أكثر من ثلاثة فراسخ وعادوا عنهم‏.‏

فلما كان الليل عاد الزنج إليهم وهم في معسكرهم فكبسوهم فقالتهم تكين وأصحابه فانكشف سليمان ثم عبأ أصحابه فأمر طائفة أن تأتيهم من جهة ذكرها لهم وطائفة في الماء وأتى هوفي الباقين فقصدوا تكين من جهاته كلها لم يقف من أصحابه أحد وانهزموا وتركوا عسكرهم فغمن الونج ما فيه وعادوا بالغنيمة واستخلف سليمان الحياتي على عسكره وسار إلى صاحبه وكان ذلك سنة ثلاث وستين ومائتين‏.‏

فلا سار سليمان إلى الخبيث خرج الحياتي بالعسكر الذي خلفه سليمان معه إلى مازوران لطلب الميرة فاعترضه جعلان فقاتلهن فانهزم الحياتي وأخذت سفنه وأتته الأخبار أن منجورًا ومحمد بن علي حبيب اليشكري قد بلغا الحجاجية فكتب إلى صاحبه بذلك فسير إليه سليمان فوصل إلى طهثا مجدا وأظهر أنه يريد قصد جعلان وقدم الحياتي وأمره أن يأتي جعلان ويقف بحيث يراه ولا يقاتله‏.‏

ثم سار سليمان نحومحمد بن علي بن حبيب مجدا فأوقع به وقعة عظيمة وغمن غنائم كثيرة وقتل أخًا لمحمد بن علي ورجع وكان ذلك في رجب من هذه السنة أيضًا‏.‏

ثم سار في شعبان إلى قرية حسان وبها قائد يقال له حسن بن خمارتكين فأوقع به فهزمه ونهب القرية واحرقها وعاد‏.‏

ثم سار في شعبان أيضًا إلى مواضع فنهبها وعاد ثم سار في رمضان واظهر أنه يريد جعلان لمازوران فبلغت الأخبار إلى جعلان بذلك فضبط عسكره فتركه سليمان وعدل إليه فأرقع به وهوغار وغمن منه ست شذوات ثم أرسل الحياتي في جماعة لينتهب فصادفهم جعلان فأخذ سفنهم وغمن منهم فأتاه سليمان في البر فهزمه واستنقذ سفنهم وغمن شيئًا آخر وعاد‏.‏

ثم سار سليمان إلى الرصافة في ذي القعدة فأوقع بمطر بن جامع وهوبها فغمن غنائم كثيرة وأحرق الرصافة واستباحها وحمل أعلامًا وانحدر إلى مدينة الخبيث وأقام ليعيد هناك بمنزلة فسار مطر إلى الحجاجية فأوقع بأهلها وأسر جماعة وكان بها قاض لسليمان فأسره مطر وحمله إلى واسط وسار مطر إلى قريب طهثا ورجع فكتب الحياتي إلى سليمان بذلك فسار نحوه فوافاه لليلتين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ثم صرف جعلان ووافى أحمد لن ليثويه بالشديدية‏.‏

ومضى سليمان إلى نهر أبان وبه قائد من قواد أحمد فأوقع به فقتله ثم سار سليمان إلى تكين في خمس شذوات سنة أربع وستين فواقعه تكين بالشديدية‏.‏

وكان أحمد بن ليثويه حينئذ قد سار إلى الكوفة وجنبلاء فظهر تكين على سليمان وأخذ الشذوات بما فيها وكان بها صناديد سليمان وقواده فقتلهم ثم إن أحمد عاد إلى الشديدية وضبط تلك الأعمال حتى وافاه محمد بن المولد وقد ولاه الموفق مدينة واسط فكتب سليمان إلى الخبيث يستمده فأمده بالخليل بن أبان في زهاء ألف وخمسمائة فارس فلما أتاه المدد قصد إلى محاربة محمد بن المولد ودخل سليمان مدينة واسط فقتل فها خلقًا كثيرا ونهب وأحرق وكان بها إلى ابن منكجور البخاري فقاتله يومه إلى العصر ثم قتل وانصرف سليمان عن واسط إلى جنبلاء ليعيث ويخرب فأقام هناك تسعين ليلة وعسكرهم بنهر الأمير‏.‏

وفيها خرج سليمان بن وهب من بغداد إلى سامرا وشيعه الموفق والقواد فلما صار إلى سامرا غضب عليه المعتمد وحبسه وقيده وانتهب داره واستوزر الحسن بن مخلد في ذي القعدة فسار الموفق من بغداد إلى سامرا ومعه عبيد الله بن سليمان بن وهب فلما قرب من سامرا تحول المعتمد إلى الجانب الغربي فعسكر به مغاضبًا للموفق واختلفت الرسل بينه وبين الموفق واتفقا وخلع على الموف ومسرور وكيغلغ وأحمد بن موسى بن بغا وأطلق سليمان بن وهب وعاد إلى الجوسق وهرب الحسن بن مخلد وأحمد ين صالح بن شيرزاد فكتب بقبض أموالهما وقبض أحمد بن أبي الاصبع وهرب القواد الذين كانوا بسامرا مع المعتمد خوفًا من الموفق فوصلووا إلى الموصل وجبوا الخراج‏.‏

  ذكر وفاة أماجور وملك ابن طولون الشام وطرسوس وقتل سيما الطويل

وفي هذه السنة توفي أماجور مقطع دمشق وولي ابنه مكانه فتجهز ابن طولون ليسير إلى الشام فيملكه فكتب إلى ابن أماجور له أن الخليفة قد أقطعه الشام والثغور فأجابه بالسمع والطاعة وسار أحمد واستخلف بمصر ابنه العباس فلقيه ابن أماجور بالرملة فأقره عليها وسار إلى دمشق فملكها وأقر أماجور على أقطاعهم وسار إلى حمص فملكها وكذلك حماة وحلب‏.‏

وراسل سيما الطويل بأنطاكية يدعوه إلى طاعته ليقره على ولايته فامتنع فعاوده فلم يطعه فسار إليه أحمد بن طولون فحصره بأنطاكية وكان سيء السيرة مع أهل البلد فكاتبوا أحمد بن طولون ودلوه على عورة البلد فنصب عليه المجانيق وقاتله فملك البلد عنوة والحصن الذي له وركب سيما وقاتل قتالًا شديدًا حتى قتل ولم يعلم به أحد فاجتاز به بعض قواده فرآه قتيلا فحمل رأسه إلى أحمد فساءه قتله‏.‏

ورحل عن أنطاكية إلى طرسوس فدخلها وعزم على المقام بها وملازمة الغزاة فعلا السعر بها وضاقت عنه وعن عساكره فركب أهلها إليه بالمخيم وقالوا له‏:‏ قد ضيقت بلدنا وأغليت أسعارنا فإما أقمت في عدد يسير وإما ارتحلت عنا وأغلظوا له القول وشغبوا عليه فقال أحمد لأصحابه‏:‏ لتنهزموا من الطرسوسيين وترحلوا عنت البلد ليظهر للناس وخاصة العدوا ابن طولون على بعد صيته وكثرة عساكره لم يقدر على أهل طرسوس وانهزم عنهم ليكون أهيب هم في قلب العدووعاد إلى الشام‏.‏

فأتاه خبر ولده العباس وهوالذي استخلفه بمصر أنه قد عصى عليه وأخذ الأموال وسار إلى برقة مشاقًا لأبيه فلم يكترث لذلك ولم ينزعج له وثبت وقضى أشغاله وحفظ أطراف بلاده وترك بحران عسكرا وبالرقة عسكرًا مع غلامه لؤلؤ وكان حران لمحمد بن أتامش وكان

واتصل خبره بأخيه موسى بن أتامش وكان شجاعًا بطلأن فجمع عسكرًا كثيرًا وسار نحوحران وبها عسكر ابن طولون ومقدمهم أحمد ابن جيعويه فلما اتصل به خبر مسير موسى أقلقه ذلك وأزعجه ففطن له رجل من الأعراب يقال له أبوالأغر فقال له‏:‏ أيها الأمير أراك مفكرًا منذ أتاك خبر ابن أتامش وما هذا محله فإنه طياش قلق ولوشاء الأمير أن آتيه به أسيرًا لفعلت‏.‏

فغاظه قوله وقال‏:‏ قد شئت أن تأتي به أسيرًا قال‏:‏ فاضمم إلي عشرين رجلًا أختارهم قال‏:‏ افعل فاختار عشرين رجلًا وسار بهم إلى عسكر موسى فلما قاربهم كمن بعضهم وجعل بينه وبينهم علامة إذا سمعوها ظهروا‏.‏

ثم دخل العسكر في الباقين في زي الأعراب وقارب مضارب موسى وقصد خيلًا مربوطة فأطلقها وصاح هووأصحابه فيها فنفرت وصاح هوومن معه من الأعراب وأصحاب موسى غارون وقد تفرق بعضهم في حوائجهم وانزعج العسكر وركبوا وركب موسى فانهزم أبوالأغر من بين يديه فتبعه حتى أخرجه من العسكر وجاز به الكمين فنادى أبوالأغر بالعلامة التي بينهم فثاروا من النواحي وعطف أبوالأغر على موسى فأسروه فأخذوه وساروا حتى وصلوا إلى ابن جيعويه فعجب الناس من ذلك وحاروا فسيره ابن جيعويه إلى ابن طولون فاعتقله وعاد إلى مصر وكان ذلك في سنة خمسين وستين ومائتين‏.‏

وفي هذه السنة ظهر ببلاد الصين إنسان لا يعرف فجمع جمعًا كثرًا من أهل الفساد والعامة فأهمل الملك أمره استصغارًا لشأنه فقوي وظهر حاله وكثف جمعه وقصده أهل الشر من كل ناحية فأغار على البلاد وأخربهأن ونزل على مدينة خانقوا وحصرهأن وهي حصينة ولها نهر عظيم وبها عالم كثير من المسلمين والنصارى واليهود والمجوس وغيرهم من أهل الصين فلما حصر البلد اجتمعت عساكر الملك وقصدته فهزمهأن وافتتح المدينة عنوة وبذل السيف فقتل منهم ما لا يحصى كثرة‏.‏

ثم سار إلى المدينة التي فيها الملك وأراد حصرهأن فالتقاه ملك الصين ودامت الحرب بينهم نحوسنة ثم انهزم الملك وتبعه الخارجي إلى أن تحصن منه في مدينة من أطراف بلاده واستولى الخارجي على أكثر البلاد والخزائن وعلم أنه لا بقاء له في الملك إذ ليس هومن أهله فأخرب البلاد ونهب الأموال وسفك الدماء‏.‏

فكاتب ملك الصين ملوك الهند يستمدهم فأمدوه بالعساكر فسار إلى الخارجي فالتقوا واقتتلوا نحوسنة أيضا وصبر الفريقان ثم إن الخارجي عدم فقيل إنه قتل ون قيل بل غرق وظفر الملك بأصحابه وعاد إلى مملكته ولقب ملوك الصين يعفور ومعناه ابن السماء تعظيمًا لشأنه وتفرق الملك عليه وتغلبت كل طائفة على طرف من البلاد وصار الصين على ما كن

  ذكر ملك المسلمين مدينة سرقوسة

وفي هذه السنة رابع عشر رمضان ملك المسلمون سرقوسة وهي من أعظم صقلية‏.‏

وكان سبب ملكها أن جعفر بن محمد أمير صقلية غزاها فأفسد زرعها وزرع قطانية وطبرمين ورمطة وغيرها من بلاد صقلية التي بيد الروم ونازل سرقوسة وحصرها برًا وبحرًا وملك بعض أرباضها ووصلت مراكب الروم نجدة لها فسير إليها أسطولا فأصابوها فتمكنوا حينئذ من حصرهأن فأقام العسكر محاصرًا لها تسعة اشهر وفتحت وقتل من أهلها عدة ألوف وأصيب فيها من الغنائم ما لم يصب بمدينة أخرى ولم ينج من رجالها إلا الشاذ الفذ‏.‏

وأقاموا فيها بعد فتحها بشهرين ثم هدموهأن ثم وصل بعد هدمها من القسطنطينية أسطول فالتقوا هم والمسلمون فظفر بهم المسلمون وأخذوا منهم أربع قطع فقتلوا من فيهأن وانصرف المسلمون إلى بلدهم آخر ذي القعدة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة سير محمد بن عبد الرحمن صاحب الأندلس ابنه المنذر في جيش إلى مدينة بنبلونة وجعل طريقه على سرقسطة فقاتل أهلها ثم انتقل إلى تطيلة وجال مع مواضع بني

وفيها سار جمع من العرب إلى مدينة جليقية فكان بينهم وقعة عظيمة قتل فيها من الطائفتين كثير‏.‏

وفيها فرغ إبراهيم بن محمد بن الأغلب صاحب إفريقية من بناء رقادة وكان ابتداء عمارتها سنة ثلاث وستين ومائتين ولما فرغت انتقل إبراهيم إليها‏.‏

وفيها وجه يعقوب بن الليث إلى الصيمرة مقدمة إليها واخذوا صعون فأحضروه عنده فمات‏.‏

وفيها ماتت قبيحة أم المعتز‏.‏

وفيها وقع الطاعون بخراسان جميعها وقومس فأفنى خلقًا كثيرًا وحج بالناس هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى الهاشمي‏.‏

وفيها توفي أبوزرعة الرازي واسمه عبيد الله بن عبد الكريم وكان حافظًا للحديث ثقة ومحمد بن إسماعيل بن عليه وكان موته بدمشق‏.‏

وفيها مات أبوإبراهيم المزني صاحب الشافعي وكان موته بمصر وعلي بن حرب الطائي وكان إمامًا في الحديث‏.‏

  ذكر أخبار الزنج

في هذه السنة كانت وقعة بين أحمد بن ليثويه وبين سليمان بن جامع والزنج بناحية جنبلاء‏.‏

وكان سببها أن سليمان كتب إلى الخبيث يخبره بحال نهر يسمى الزهري ويسأله أن يأذن في عمله فإنه متى أنفذه تهيأ له حمل ما في جنبلاء وسواد الكوفة فأنفذ إليه نكرويه لذلك وأمره بمساعدته والنفقة على عمل النهر فمضى سليمان فيمن معه وأقام بالشريطة نحوًا من شهر وشرعوا في عمل النهر‏.‏

وكان أصحاب سليمان في أثناء ذلك يتطرقون ما حولهم فواقعه أحمد ابن ليثويه وهوعامل الموفق بجنبلاء فقتل من الزنوج نيفًا وأربعين قائدا ومن عامتهم ما لا يحصى كثرة وأحرق سفنهم فمضى سليمان مهزومًا إلى طهثا‏.‏

وفيها سار جماعة من الزنوج في ثلاثين سميرية إلى جبل فأخذوا أربع سفن فيها طعام وانصرفوا‏.‏

وفيها دخل الزنج النعمانية فأحرقوها وسبوا وساروا إلى جرجرايا ودخل أهل السواد بغداد‏.‏

وفيها استعمل الموفق مسرورًا البلخي على كور الأهواز فولى مسرور ذلك تكين البخاري فسار إليها تكين وكان علي بن أبان والزنج قد احاطوا بتستر فخاف أهلها وعزموا على تسليمها إليهم فوافاهم في تلك الحال تكين البخاري فواقع علي بن أبان قبل أن ينزع ثيابه فانهزم علي والزنج وقتل منهم كثير وتفرقوا ونزل تيكن بتستر وهذه الوقعة تعرف بوقعة باب كورك وهي مشهورة‏.‏

ثم إن عليًا قدم عليه جماعة من قواد الزنج فأمرهم بالمقام بقنطرة فارس فهرب منهم غلام رومي إلى تكين وأخبره بمقامهم بالقنطرة وتشاغلهم بالنبيذ وتفرقهم في جمع الطعام فسار تكين إليهم ليلا فأوقع بهم وقتل من قوادهم جماعة فانهزم الباقون‏.‏

وسار تكين إلى علي بن أبان فلم يقف له علي وانهزم غلام له يعرف بجعفرويه ورجع علي إلى الأهواز ورجع تكين إلى تستر وكتب علي إلى تكين يسأله الكف عن قتل غلامه فحبسه ثم تراسل علي وتكين وتهاديا فبلغ الخبر مسرورًا بميل تكين إلى الزنج فسار حتى وافى تكين وقبض عليه وحبسه عند إبراهيم بن جعلان حتى مات وتفرق أصحاب تكين ففرقة سارت إلى الزنج وفرقة إلى محمد بن عبيد الله الكردي فبلغ ذلك مسرورا فأمنهم فجاءه منهم الباقون وكان بعض ما ذكرناه من أمر مسرور سنة خمس وستين وبعضه سنة ست وستين

  ذكر عصيان العباس بن طولون على أبيه

وفيها عصى العباس بن أحمد بن طولون على أبيه وسبب ذلك أن أباه كان قد خرج إلى الشام واستخلف انه العباس كما ذكرناه فلما أبعد عن مصر حسن للعباس جماعة كانوا عنده أخذ الأموال والانشراح إلى برقة ففعل ذلك وأتى برقة في ربيع الأول‏.‏

وبلغ لخبر أباه فعاد إلى مصر وأرسل إلى ابنه ولاطفه واستعطفه فلم يرجع إليه وخاف من معه فأشاروا عليه بقصد إفريقية فسار إليها وكاتب وجوه البربر فأتاه بعضهم وامتنع بعضهم وكتب إلى إبراهيم بن الأغلب يقول‏:‏ إن أمير المؤمنين قد قلدني أمر إفريقية وأعمالها ورحل حتى أتى حصن لبدة ففتحه أهله له فعاملهم أسوأ معاملة ونهبهم فمضى أهل الحصن إلى إلياس بن منصور النفوسي رئيس الإباضية هناك فاستعانوا به فغضب لذلك وسار إلى العباس ليقاتله‏.‏

وكان إبراهيم بن الأغلب قد أرسل إلى عامل طرابلس جيشا وأمره بقتال العباس فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا قاتل العباس فيه بيده فلما كان الغد وافاهم إلياس بن منصور الإباضي في اثني عشر ألفًا من الإباضية فاجتمع هووعامل طرابلس على قتال العباس فقتل من أصحابه

خلق كثير وانهزم أقبح هزيمة وكاد يؤسر فخلصه مولى له ونهبوا سواده واكثر ما حمله من مصر وعاد إلى برقة أقبح عود‏.‏

وشاع بمصر أن العباس انهزم فاغتم والده حتى ظهر عليه وسير إليه العساكر لما علم سلامته فقاتلوه قتالًا صبر فيه الفريقان فانهزم العباس ومن معه وكثر القتلى في أصحابه وأخذ العباس أسيرًا وحمل إلى أبيه فحبسه في حجرة في داره إلى أن قدم باقي الأسرى من أصحابه فلما قدموا أحضرهم أحمد عنده والعباس معهم فأمره أبوه أن يقطع أيدي أعيانهم وأرجلهم ففعل فلما فرغ منه وبخه وذمه وقال له‏:‏ هكذا يكون الرئيس والمقدم كان الأحسن أنك كنت ألقيت نفسك بين يدي وسألت الصفح عنك وعنهم فكان أعلى لمحلك وكنت قضيت حقوقهم فيما ساعدوك وفارقوا أوطانهم لأجلك ثم أمر به فضرب مائة مقرعة ودموعه تجري على خديه رقة لولده ثم رده إلى الحجرة واعتقله وذلك سنة ثمان وستين ومائتين‏.‏

  ذكر موت يعقوب وولاية أخيه عمرو

وفيها مات يعقوب بن الليث الصفار تاسع شوال بجند يسابور من كور الأهواز وكانت علته القولنج فأمره الأطباء بالاحتقان بالدواء فلم يفعل واختار الموت‏.‏

وكان المعتمد قد أنفذ إليه رسولًا وكتابًا يستميله ويترضاه ويقلده أعمال فارس فوصل الرسول ويعقوب مريض فجلس له وجعل عنده سيفا ورغيفًا من الخبز الخشكار ومعه بصل وأحضر الرسول فأدى الرسالة فقال له‏:‏ قل للخليفة إنني عليل فإن مت فقد استرحت منك واسترحت مني وإن عوفيت فليس بيني وبينك إلا هذا السيف حتى آخذ بثأري أوتكسرني وتعقرني وأعود إلى هذا الخبز والبصل وأعاد الرسول فلم يلبث يعقوب أن مات‏.‏

وكان الحسن بن زيد العلوي يسمى يعقوب بن الليث السندان لثباته وكان يعقوب قد افتتح الرخج وقتل ملكها وأسلم أهلها على يده وكانت مملكته واسعة الحدود وكان اسم ملكها كتير وكان يحمل على سرير من ذهب يحمله اثنا عشر رجلا وابتنى على جبل عال بيتا وسماه مكة وكان يدعي الإلهية فقتله يعقوب وافتتح الخلجية وزابل وغير ذلك ولم أعلم أي سنة كان ذلك حتى اذكره فيها‏.‏

وكان يعقوب عاقلا حازمًا‏:‏ من عاشرته أربعين يومًا فلم تعرف أخلاقه فلا تعرفها في أربعين سنة وقد تقدم من سيرته ما يدل على عقله‏.‏

ولما مات قام بالأمر بعد أخوه عمروبن الليث وكتب إلى الخليفة بطاعته فولاه الموفق خراسان وفارس وأصبهان وسجستان والسند وكرمان والشرطة ببغداد وأشهد بذلك وسيره إليه

  ذكر عدة حوادث

وفي هذه السنة وثب القاسم بن مهاة بدلف بن عبد العزيز بن أبي دلف بأصبهان فقتله ووثب جماعة من أصحاب أبي دلف بالقاسم فقتلوه وريسوا عليهم أحمد بن عبد العزيز‏.‏

وفيها لحق محمد المولد بيعقوب بن الليث فأكرمه يعقوب وأحسن إليه‏.‏

فأمر الخليفة بقبض أمواله وعقاره‏.‏وفيها قتلت الأعراب جعلان المعروف بالعيار بدمما وكان خرج يسير قافلة فقتلوه فوجه في طلبهم فلم يلحقوا‏.‏وفيها حبس الموفق سليمان بن وهب وابنه عبيد اله وعدة من أصحابهما وقبض أموالهم وضياعهم خلا أحمد بن سليمان ثم صالح سليمان وابنه عبيد الله على تسع مائة ألف دينار وجعلا في موضع يصل إليهما من أرادوا وعسكر موسى بن أتامش وإسحاق بن كنداجيق والفضل بن موسى بن بغا وعبروا جسر بغداد ومنعهم الموفق فلم يرجعوا ونزلوا صرصر فاستكتب أبوأحمد الموفق صاعد بن مخلد فمضى إلى أولئك القواد فردهم من صرصر فخلع عليهم‏.‏

وفيها خرج خمسة بطارقة من الروم إلى أذنة فقتلوا وأسروا وكان أرجوز والي الثغور فعزل عنها فأقام مرابطا وأسروا نحوًا من أربع مائة وقتلوا نحوًا من ألف وأربع مائة وذلك في جمادى الأولى‏.‏

وفيها غلب أحمد بن عبد الله الخجستاني على نيسابور وسار الحسين ابن طاهر بن عبد الله إلى مرو وهوعامل أخيه محمد بن طاهر وأخربت طوس‏.‏

وفيها استوزر أبوالصقر إسماعيل بن بلبل‏.‏

وفيها وثب جماعة من الأعراب من بني أسد على علي ين مسرور البلخي قبل وصوله إلى المغيثة بطريق مكة وكان الموفق ولاه الطريق‏.‏

وفها بعث ملك الروم إلى أحمد بن طولون عبد الله بن رشيد بن كاوس وعدة أسرى وأنفذ معهم عدة مصاحف منه هدية إليه وحج بالناس هارون ابن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي‏.‏

وفيها كانت موافاة أبي المغيرة عيسى بن محمد المخزومي إلى مكة لصاحب الزنج‏.‏

وفيها توفي أبوبكر أحمد بن منصور الزنادي وعمره ثلاث وثمانون سنة وإبراهيم بن هاني أبوإسحاق النيسابوري وكان من الأبدال قد صحب أحمد بن حنبل وعلي بن حرب بن محمد

الطائي الموصلي ومولده سنة خمس وسبعين ومائة وقيل غير ذلك وقد تقدم وعلي بن موفق الزاهد‏.‏

وفيها قتل أبوالفضل العباس بن الفرج الرياشي قتله الزنج بالبصرة أخذ العلم عن أبي عبيدة والأصمعي‏.‏

  حوادث سنة ست وستين ومائتين

  ذكر أخبار الزنج مع أغرتمش

في هذه السنة ولي أغرتمش ما كان يتولاه تكين البخاري من أعمال الأهواز فدخل تستر في رمضان ومعه أبا ومطر بن جامع وقتل مطر ابن جامع جعفرويه غلام علي بن أبان وجماعة معه كانوا مأسورين وساروا إلى عسكر مكرم وأتاهم الزنج هناك مع علي بن أبان فاقتتلوا فلما رأوا كثرة الزنج قطعوا الجسر وتحاجزوا ورجع علي إلى الأهواز وأقام أخوه الخليل بالمسرقان في جماعة كثيرة من الزنج‏.‏

وسار أغرتمش ومن معه نحوالخليل ليعبروا إليه من قنطرة أربك فكتب إلى أخيه علي فوافاه في النهر وأخاف أصحابه الذين خلفهم بالأهواز فارتحلوا إلى نهر السدرة وتحارب علي

وأغرتمش يومهم ثم انصرف علي إلى الأهواز فلم يجد أصحابه الذي خلفهم بالأهواز فوجه من يردهم من نهر السدرة فعسر عليهم ذلك فتبعهم وأقام معهم ورجع أغرتمش فنزل عسكر مكرم واستعد علي لقتالهم‏.‏

وبلغ ذلك أغرتمش ومن معه من عسكر الخليفة فساروا إليه فكمن لهم علي وقدم الخليل إلى قتالهم فاقتتلوا فكان أول النهار لأصحاب الخليفة ثم خرج عليهم الكمين فانهزموا وأسر مطر بن جامع وعدة من القواد فقتله علي بغلامه جعفرويه وعاد إلى الأهواز وأرسل رؤوس القتلى إلى الخبيث العلوي‏.‏

وكان علي وأغرتمش بعد ذلك في حروبهم على السواء وصرف صاحب الزنج أكثر جنوده إلى علي بن أبان فلما رأى ذلك أغرتمش وادعه وجعل علي يغي على النواحي فمن ذلك أنه أغار على قرية بيروذ فهبها ووجه الغنائم إلى صاحبه‏.‏

  ذكر دخول الزنج رامهرمز

وفيها دخل علي بن أبان والزنج رامهرمز وسبب ذلك أن محمد بن عبيد الله كان يخاف علي بن أبان لما في نفس علي منه لما ذكرناه فكتب إلى انكلاي بن العلوي وسأله أن يسأل أباه ليرفع يد علي عنه ويضمه إلى نفسه فزاد ذلك غيظ علي منه وكتب إلى الخبيث بالإيقاع بمحمد ويجعل ذلك الطريق إلى مطالبته بالخراج فأذن له فكتب إلى محمد يطلب منه حمل الخراج فمطله ودافعه فسار إليه علي وهوبرامهرمز فهرب محمد عنها ودخلها علي والزنج فاستباحها ولحق بأقصى معاقله وانصرف علي غامنًا‏.‏

وخاف محمد فكتب إليه يطلب المسالمة فأجابه إلى ذلك على مال يؤديه إليه فحمل إليه مائتي ألف درهم فأنفذها إلى صاحب الزنج وأمسك عن محمد بن عبيد الله وأعماله‏.‏

وقعة أكراد داربان والزنج وفيها كانت وقعة للزنج انهزموا فيها وكان سببها أن محمد بن عبيد الله كتب إلى علي بن أبان بعد الصلح يسأله المعونة على الأكراد الدارنان على أن يجعل له ولأصحابه غنائمهم فكتب علي إلى صاحبه يستأذنه فكتب إليه أن وجه إليه جيشا وأقم أنت ولا تنفذ أحدًا حتى تستوثق منه بالرهائن ولا يأمن غزوه والطلب ثاره‏.‏

فكتب عل إلى محمد يطلب منه اليمين والرهائن فبذل له اليمين ومطله بالرهائن فلحرص علي على الغنائم أنفذ إليه جيشا فسير محمد معهم طائفة من أصحابه إلى الأكراد فخرج إليهم الأكراد فقاتلوهم ونشبت الحرب فتخلى وكان محمد قد أعد لهم من يتعرضهم إذا انهزموا فصادفوهم وأوقعوا بهم وسلبوهم وأخذوا دوابهم ورجعوا بأسوأ حال فكتب علي إلى الخبيث بذلك فعنفه وقال‏:‏ ضيعت أمري في ترك الرهائن وكتب إلى محمد يتهدده فخاف محمد وكتب يخضع ويذل ورد بعض الدواب وقال‏:‏ إنني كبست من كانت عندهم وخلصت هذه منهم‏.‏

فأظهر الخبيث الغضب عليه فأرسل محمد إلى بهبود ومحمد بن يحيى الكرماني وكانا أقرب الناس إلى علي فضمن لهما مالًا إن أصلحا له عليًا وصاحبه ففعلا ذلك فأجابهما الخبيث إلى الرضى عن محمد على أن يخطب له على منابر بلاده وأعلما محمدًا ذلك فأجابهما إلى كل ما طلبا وجعل يراوغ في الدعاء له على المنابر‏.‏

ثم إن عليًا استعد لمتوث وسار إليها فلم يظفر بها فرجع وعمل السلاليم والآلات التي يصعد بها إلى السور واستعد لقصدها فعرف ذلك مسرور البلخي وهويومئذ بكور الأهواز فلما سار علي إليها سار إليه مسرور فوافاه قبل المغرب وهونازل عليها فلما عاين الزنج أوائل خيل مسرور انهزموا أقبح هزيمة وتركوا جميع ما كانوا أعدوه وقتل منهم خلق كثير وانصرف علي مهزوما فلم يلبث إلا يسيرًا حتى أتته الأخبار بإقبال الموفق ولم يكن لعلي بعد متوث وقعة حتى فتحت سوق الخميس وطهثا على الموفق فكتب إليه صاحبه يأمره بالعود

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ولى عمروبن الليث عبيد الله بن عبد اله بن طاهر خلافته على الشرطة ببغداد وسر من رأى في صفر وخلع عليه الموفق وعمروابن الليث‏.‏

وفيها في صفر غلب اساتكين على الشرطة وهي الآن من أعمال سجستان وعلى الري وأخرج منهاخطلنخجور العامل عليها ثم مضى إلى قزوين وعليها أخو كيغلغ فصالحه ودخل اساتكين قزوين ثم رجع إلى الري‏.‏

وفيها وردت سرية من سرايا الروم إلى تل يسهى من ديار ربيعة فأسرت نحوًا من مائتين وخمسين إنسانا ومثلت بالمسلمين فنفر إليهم أهل الموصل ونصيين فرجعت الروم‏.‏

وفيها مات أبوالساج بجند يسابور منصرفًا من عسكر عمروبن الليث إلى بغداد ومات قبله سليمان بن عبد اله بن طاهر وولى عمروبن الليث فيها أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف أصبهان وولى محمد ابن أبي الساج طريق مكة والحرمين‏.‏

وفيها فارق إسحاق بن كنداج أحمد بن موسى بن بغا وكان سبب ذلك أن أحمد لما سار إلى الجزيرة وولي موسى بن اتامش ديار ربيعة أنكر ذلك إسحاق بن كنداج وفارق عسكره

وسار إلى بلد فأوقع بالأكراد اليعقوبية فهزمهم وأخذ أموالهم ثم لقي ابن مساور الخارجي فقتله وسار إلى الموصل فقاطع أهلها على مال قد أعدوه‏.‏

وكان قائد كبير بمعلثايا اسمه علي بن داود وهوالمخاطب له عن أهل الموصل والمدافع فسار ابن كنداج إليه فلما بلغه الخبر فارق معلثايا وعبر دجلة ومعه حمدان بن حمدون إلى إسحاق بن أيوب بن أحمد التغلبي العدوي فاجتمعوا كلهم فبلغت عدتهم نحوخمسة عشر ألفا وسمع ابن كنداج باجتماعهم فعبر إلى بلد وعبر دجلة إليه وهوفي ثلاثة آلاف وسار إلى نهر أيوب فالتقوا بكراثا وهي التي تعرف اليوم بتل موسى وتصافوا للحرب فأرسل مقدم ميسرة ابن أيوب إلى ابن كنداج يقول له‏:‏ إنني في الميسرة فاحمل علي لأنهزم ففعل ذلك فانهزمت ميسرة ابن أيوب وتبعها الباقون فسار حمدان بن حمدون وعلي بن داود إلى نيسابور وأخذ ابن أيوب نحونصيبين فاتبعه ابن كنداج فسار ابن أيوب عن نصيبين إلى آمد واستولى ابن كنداج على نصيبين وديار ربيعة واستجار ابن أيوب بعيسى بن الشيخ الشيباني وهوبآمد فأنجده وطلب النجدة من أبي المعز بن موسى بن زرارة وهوبأزرن فأنجده أيضا وعاد ابن كنداج إلى الموصل ووصل إليه من الخليفة المعتمد عهد بولاية الموصل فعاد إليها فأرسل إليه ابن الشيخ وابن زرارة وغيرهما بذلوا له مائتي ألف دينار ليقرهم على أعمالهم فلم يجبهم فاجتمعوا على

وفيها أمر محمد بن عبد الرحمن بإنشاء مراكب بنهر قرطبة وحملها إلى البحر المحيط وكان سبب عملها أنه قيل له إن جليقية ليس لها مانع من جهة البحر المحيط وإن ملكها من هناك سهل فأمر بعمل المراكب فلما فرغت وكملت برجالها وعدتها سيرها إلى البحر المحيط فلما دخلته المراكب تقطعت ولم يجتمع منها مركبان ولم يرجع منها إلا اليسير‏.‏

وفيها التقى أسطول المسلمين وأسطول الروم عند صقلية فجرى بينهم قتال شديد فظفر الروم بالمسلمين وأخذوا مراكبهم وانهزم من سلم منهم إلى مدينة بلرم بصقلية‏.‏

وفيها مكان بإفريقية غلاء شديد وقحط عظيم كادت الأقوات تعدم‏.‏

وفيها قتل أهل حمص عاملهم عيسى الكرخي‏.‏

وفيها أسرى لؤلؤ غلام أحمد بن طولون من رابية بني تميم إلى موسى بن أتامش وهوبرأس عين فأخذه أسيرا وسيره إلى الرقة ثم لقي لؤلؤ أحمد بن موسى بن أتامش ومن معه من الأعراب فانهزم لؤلؤ ورجع الأعراب إلى عسكر أحمد لينهبوه فطف عليهم لؤلؤ وأصحابه فانهزموا فبلغت هزيمتهم قرقيسيا ثم ساروا إلى بغداد وسامرا وقد ذكرت فيما تقدم أن الذي أسر موسى غير لؤلؤ على ما ذكره مؤرخومصر‏.‏

وفيها كانت بين أحمد بن عبد العزيز وبكتمر رقعة فانهزم بكتمر وسار إلى بغداد‏.‏

وفيها أوقع الخجستاني بالحسن بن زيد بجرجان وهوغار فلحق بآمل وغلب الخجستاني على جرجان وأطراف طبرستان وكان الحسن لما سار عن طبرستان إلى جرجان استخلف بسارية الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله ابن حسين الأصغر العقيقي فلما انهزم الحسن ين زيد أظهر العقيقي بسارية أنه قتل ودعا إلى البيعة لنفسه فبايعه قوم ووافاه الحسن بن زيد فحاربه ثم ظفر به فقتله‏.‏

وفيها كانت وقعة بين الخجستاني وعمروبن الليث انهزم فيها عمرو ودخل الخجستاني نيسابور وأخرج منها عامل عمروومن كان يميل إليه‏.‏

وفيها كانت فتنة بالمدينة ونواحيها بين العلويين والجعفريين‏.‏

وفيها وثب الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها وصار بعضها إلى صاحب الزنج وأصاب الحجاج فيها شدة شديدة‏.‏

وفيها خرجت الروم على ديار ربيعة فاستنفر الأنس فنفروا في برد شديد لا يمكن فيه دخول الدرب‏.‏

وفيها غزت سيما خليفة أحمد بن طولون على الثغور الشامية في ثلاثمائة رجل من أهل طرسوس فخرج عليهم نحومن أربعة آلاف من بلاد هرقلة فاقتتلوا قتالًا شديدا وقتل المسلمون

وفيها كانت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم حرب بين العلويين والجعفريين وغلا السعر بها حتى تعذرت الأقوات وعم الغلاء سائر البلاد من الحجاز والعراق والموصل والجزيرة والشام وغير ذلك إلا أنه لم يبلغ الشدة التي بالمدينة‏.‏

وفيها كان الناس في البلاد التي تحت حكم الخليفة جميعها في شدة عظيمة بتغلب القواد وأمراء الأجناد على الأمر وقلة المراقبة والأمن من إنكار ما يأتونه ويفعلونه لاشتغال الموفق بقتال صاحب الزنج ولعجز الخليفة المعتمد واشتغاله بغير ذلك‏.‏

وفيها اشتد الحر في تشرين الثاني ثم اشتد فيه البرد حتى جمد الماء‏.‏

وفيها قدم محمد بن أبي الساج مكة فحاربه المخزومي فهزمه محمد واستباح ماله وذلك يوم التروية‏.‏

وفيها سار كيغلغ إلى الجبل وبكتمر راجعًا إلى الدينور‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي‏.‏

وفيها توفي محمد بن شجاع أبوبكر الثلجي وكان من أصحاب الحسن ابن زياد اللؤلؤي صاحب أبي حنيفة الثلجي بالثاء المعجمة بثلاث والجيم‏.‏

وفيها توفي صالح بن أحمد بن حنبل وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين ومائتين‏.‏

  ذكر أخبار الزنج

وفيها غلب أبوالعباس بن الموفق على عامة ما كان بيد سليمان بن جامع والزنج من أعمال دجلة وأبوالعباس هذا هوالذي صار خليفة بعد المعتمد فلقي المعتضد بالله‏.‏

وكان سبب مسيره أن الزنج لما دخلوا واسط وعملوا بأهلها ما ذكرنا بلغ ذلك الموفق فأمر ابنه بتعجيل المسير بين يديه إليهم فسار في ربيع الآخر سنة ست وستين ومائتين وشيعه أبوه وسير معه عشرة آلاف من الرجالة والخيالة في العدة الكاملة وأخذ معه الشذوات والسميريات والمعابر للرجالة فسار حتى وافى إلى دير العاقول‏.‏

وكان على مقدمته في الشذوات نصير المعروف بأبي حمزة فكتب إليه نصير يخبره أن سليمان بن جامع قد وافى بخيلة ورجله في شذوات وسميريات والحياتي على مقدمته حتى نزل الجزيرة بحضرة بردرويا وأن سليمان بن موسى الشعراني قد وافى نهر أبا بخيله ورجله في سميريات فركب أبوالعباس حتى وافى الصلح ووجه طلائعه ليعرف أخبارهم فعادوا وأعلموه بموافاة الزنج وجيشهم وأن أولهم بالصلح وآخرهم ببستان موسى بن بغا أسفل واسط‏.‏

وكان سبب جمع الزنج وحشدهم أنهم قالوا‏:‏ إن أبا العباس فتى حدث غر بالحرب والرأي لنا أن نرميه بحدنا كله ونجبهه في أول مرة نلقاه في إزالته فلعل ذلك يروعه فينصرف عنا فجمعوا وحشدوا فلما علم أبوالعباس قربهم عدل عن سنن الطريق واعترض في مسيره ولقي أصحابه أوائل الزنج فتطاردوا لهم حتى طمعوا فيهم واغتروا وابتعوهم وجعلوا يقولون‏:‏ اطلبوا أميرًا للحرب فإن أميركم قد اشتغل بالصيد‏.‏

فلما قربوا منه خرج عليهم فيمن معه من الخيل والرجل وصاح بنصير‏:‏ إلى أين تتأخر عن هذه الأكلب‏!‏ فرجع نصير وركب أبوالعباس سميرية وحف به أصحابه من جميع الجهات فانهزمت الزنج وكثر القتل فيهم وتبعوهم إلى أن وصلوا قرية عبد الله وهي على ستة فراسخ من الموضع الذي لقوهم به وأخذوا منهم خمس شذوات وعدة سميريات وأسر جماعة واستأمن جماعة فكان هذا أول الفتح فسار سليمان بن جامع إلى نهر الأمير وسار سليمان بن موسى الشعراني إلى سوق الخميس وانحدر أبوالعباس فأقام بالعمر وهوعلى فرسخ من واسط وأصلح شذواته وجعل يراوح القوم القتال ويغاديهم‏.‏

ثم إن سليمان استعد وحشد وجعل أصحابه في ثلاثة أوجه قالوا‏:‏ إنه حدث غر يغرر بنفسه وكمنوا كناء فبلغ الخبر أبا العباس فحذروا وأقبلوا وقد كمنوا الكمناء ليغتر بأتباعهم فيخرج الكمين عليه فمنع أبوالعباس أصحابه أن يتبعوهم فلما علموا أن كيدهم لم يتم خرج سليمان في الشذوات والسميريات فأمر أبوالعباس نصيرًا أن يبرز إليهم وركب هوشذاة من شذواته سماها الغزال ومعه جماعة من خاصته وأمر الخيالة بالمسير بإزائه على شاطئ النهر إلى أن ينقطع فعبروا دوابهم ونشبت الحرب بين الفريقين فوقعت الهزيمة على الزنج وغمن أبوالعباس منهم أربع عشرة شذاة وأفلت سليمان والحياتي بعد أن أشفيا على الهلاك وبلغوا طهثا وأسلموا ما كان معهم‏.‏

ورجع أبوالعباس إلى معسكره وأمر بإصلاح ما أخذ منهم من الشذوات والسميريات وأقام الزنج عشرين يومًا لا يظهر منهم أحد وجعلوا على طريق الخيل آبارا وجعلوا فيها سفافيد حديد وجعلوا على رؤوسهم البواري والتراب ليسقط فيها المجتازون فاتفق أنه سقط فيها رجل من الفراغنة ففطنوا لها وتركوا ذلك الطريق‏.‏

واستمد سليمان صاحب الزنج فأمده بأربعين سميرية بآلاتها ومقاتليها فعادوا للتعرض للحرب فلم يكونوا يثبتون لأبي العباس ثم سير إليهم عدة سميريات فأخذها الزنج فبلغه الخبر وهويتغذى فركب في سميرية ولم ينتظر أصحابه وتبعه منهم من خف فأدرك الزنج فانهزموا وألقوا أنفسهم في الماء فاستنقذ سميرياته ومن كان فيها وأخذ منهم إحدى وثلاثين سميرية ورمى أبوالعباس يومئذ عن قوس حتى دميت إبهامه فلما رجع أمر لمن معه بالخلع وأمر ثم إن أبا العباس رأى أن يتوغل في مازروان حتى يصير إلى الحجاجية ونهر الأمير ويعرف ما هناك فقدم نصيرًا في أول السميريات وركب أبوالعباس في سميرية ومعه محمد بن شعيب ودخل مازوران وهويظن أن نصيرًا أمامه فلم يقف له على خبر وكان قد سار على غير طريق أبي العباس وخرج من مع أبي العباس من الملاحين إلى غمن رأوها ليأخذوها فبقي هوومحمد بن شعيب فأتاهما جمع من الزنج من جانبي النهر فقاتلهم أبون العباس بالنشاب ووافاه زيرك في باقي الشذوات فسلم أبوالعباس وعاد إلى عسكره‏.‏

ورجع نصير وجمع سليمان بن جامع أصحابه بطهشا وتحصن الشعراني وأصحابه بسوق الخميس وجعلوا يحملون الغلات إليها وكذلك اجتمع بالصينية جمع كثير فوجه أبوالعباس جماعة من قواده على الخيل إلى ناحية الصينية وأمرهم بالمسير في البر وإذا عرض لهم نهر عبروه وركب هوفي الشذوات والسميريات فلما أبصرت الزنج الخيل خافوا ولجأوا إلى الماء والسفن فلم يلبثوا أن وافتهم الشذا مع أبي العباس فلم يجدوا ملجا فاستسلموا فقتل منهم فريق وأسر فريق وألقى نفسه في الماء فريق وأخذ أصحاب أبي العباس سفنهم وهي مملوءة أرزا وأخذ الصينية وأزاح الزنج عنها فانحازوا إلى طهثا وسوق الخميس‏.‏

وكان قد رأى أبوالعباس كركيا فرماه بسهم فسقط في عسكر الزنج فعرف الزنج السهم فزاد وبلغه أن جيشًا عظيمًا للزنج مع ثابت بن أبي دلف ولؤلؤ الزنجيين فسار إليهم وأوقع بهم وقعة عظيمة وقت السحر فقتل منهم خلقًا كثيرا منهم لؤلؤ واسر ثابتا فمن عليه وجعله مع بعض قواده واستنقذ من النساء خلقًا كثيرا فأمر بإطلاقهن وردهن إلى أهلهن وأخذ كل ما كان الزنج جمعوه وأمر أصحابه أن يستريحوا لمسير إلى سوق الخميس وأمر نصيرًا بتعبئة أصحابه للمسير فقال له‏:‏ إن نهر سوق الخميس ضيق فأقم أنت ونسير نحن فأبى عليه فقال له محمد بن شعيب‏:‏ إن كنت لا بد فاعلًا فلا تكثر من الشذا ولا من الرجال فإن النهر ضيق‏.‏

فسار إليه ونصير بين يديه إلى فم نهر مساور فوقف أبوالعباس وتقدمه نصير في خمس عشرة شذاة في نهر براطق وهوالذي يؤدي إلى مدينة الشعراني التي سماها المنيعة في سوق الخميس فلما غاب عنه نصير خرج جماعة كبيرة في البر على أبي العباس فمنعوه من الوصول إلى المدينة وقاتلوه قتالًا شديدًا من أول النهار إلى الظهر وخفي عليه خبر نصير وجعل الزنج يقولون‏:‏ قد قتلنا نصيرًا‏.‏

واغتم أبوالعباس لذلك وأمر محمد بن شعيب يتعرف خبره فسار فرآه عند عسكر الزنج وقد أحرقه وأضرم النار في مدينتهم وهويقاتلهم قتالًا شديدا فعاد إلى أبي العباس فاخبره فسر بذلك‏.‏

وأسر نصير من الزنج جماعة كثيرة ورجع حتى وافى أبا العباس فأخبره ووقف أبوالعباس

يقاتلهم فرجعوا عنه وكمن بعض شذواته وأمر أن يظهر واحدة منها فطمعوا فيها وتبعوها حتى أدركوها فعلقوا بسكانها فخرجت عليهم السفن المكمنة وفيها أبوالعباس فانهزم الزنج وغمن أبوالعباس منهم ست سميريات وانهزموا لا يلوون على شيء من الخوف ورجع إلى عسكره سالما وخلع على الملاحين وأحسن إليهم‏.‏

  ذكر وصول الموفق إلى قتال الزنج وفتح المنيعة

وفيها في صفر سار الموفق عن بغداد إلى واسط لحرب الزنج وكان سبب تأخره عن ابنه أبي العباس هذه المدة انه يجمع ويحشد الفرسان والرجالة ويستكثر من العدة التي يقوى بها على حرب الزنج ويسد الجهات التي يخاف فيها لئلا يبقى له ما يشغل قلبه‏.‏

إلا أن الخبيث رئيس الزنج قد أرسل إلى علي بن أبان المهلبي يأمره بالاجتماع مع سليمان بن جامع على حرب أبي العباس فخاف وهنًا يتطرق إلى ابنه أبي العباس فسار عن بغداد في صفر فوصل إلى واسط في ربيع الأول فلقيه ابنه واخبره بحال جنده وقواده فخلع عليه وعليهم ورجع أبوالعباس إلى معسكره بالعمر ثم نزل الموفق على نهر شداد بإزاء قرية عبد الله

وأمر ابنه أن يسير لما معه من آلات الحرب إلى فوهة نهر مساور فرحل في نخبة أصحابه ورحل الموفق بعده فنزل فوهة نهر مساور فأقام يومين‏.‏

ثم رحل إلى المدينة التي سماها صاحب الزنج المنيعة من سوق الخميس يوم الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الآخر من هذه السنة وسلك بالسفن في نهر مساور وسارت الخيل بإزائه شرقي نهر مساور حتى جاوزوا براطق الذي يوصل إلى المنيعة وأمر بتعبير الخيل وتصييرها من الجانبين وأمر ابنه العباس بالتقدم بالشذا بعامة الجيش ففعل فلقيه الزنج فحاربوه حربًا شديدة ووافاهم أبوأحمد الموفق والخيل من جانبي النهر فلما رأوا ذلك انهزموا وتفرقوا وعلا أصحاب أبي العباس السور ووضعوا السيوف فيمن لقيهم ودخلوا المدينة فقتلوا فيها خلقًا كثيرأن وأسروا عالمًا عظيمأن وغمنوا ما كان فيهأن وهرب الشعراني ومن معه وتبعه أصحاب الموفق إلى البطائح فغرق منهم خلق كثير ولجأ الباقون إلى الآجام‏.‏

ورجع أبوأحمد إلى معسكره من يومه وقد استنقذ من المسلمات زهاء خمسة آلاف امرأة سوى من ظفر به من الزنجيات وأمر أبوأحمد بحفظ النساء وحملهم إلى واسط ليدفعن إلى أهلهن ثم بكر إلى المدينة فأمر الناس بأخذ ما فيهأن فأخذ جميعه وأمر بهدم سورهأن وطم خندقهأن وإحراق ما بقي بها من السفن وأخذوا من الطعام والشعير والأرز وغير ذلك ما لأحد

ولما انهزم سليمان ولحق بالمزار وكتب إلى الخائن صاحب الزنج بذلك فورد الكتاب عليه وهويتحدث فانحل بطنه فقام إلى الخلاء دفعات وكتب إلى سليمان بن جامع يحذره مثل الذي نزل بالشعراني ويأمره بالتيقظ‏.‏

وأقام الموفق بنهر مساور يومين يتعرف أخبار الشعراني وسليمان ابن جامع فأتاه من أخبره أن سليمان بن جامع بالحوانيت فسار حتى وافى الصينينة وأمر ابنه العباس بالتقدم بالشذا والسميريات إلى الجوانيت مختفيا فسار أبوالعباس إليها فلم ير سليمان بها ورأى هناك جميعًا من الزنج مع قائدين لهم خلفهم سليمان بن جامع هناك لحفظ غلات كثيرة لهم فيها فحاربهم أبوالعباس ودامت الحرب إلى أن حجز بينهم الليل واستأمن إلى أبي العباس رجل فسأله عن سليمان بن جامع وأخبره أنه مقيم بطهثا بمدينته التي سماها المنصورة فعاد أبوالعباس إلى أبيه بالخبر فأمره بالمسير إليه فسار حتى نزل بردودا فأقام بها لإصلاح ما يحتاج إليه واستكثر من الآلات اليت يسد بها الأنهار ويصلح بها الطرق لخيل وخلف ببردودا بفراج التركي‏.‏

  ذكر استيلاء الموفق على طهثا

لما فرغ الموفق من الذي يحتاج إليه سار عن بردودا إلى كهثا لعشر بقين من ربيع الآخر سنة سبع وستين ومائتين وكان مسيره على الظهر في خيله وانحدرت السفن والآلات فنزل بقرية الجوزية وعقد جسرا ثم غدا فعبر خيله عليه ثم عبر بعد ذلك فسار حتى نزل معسكرًا على ميلين من طهثا فأقام هنالك يومين‏.‏

ومطرت السماء مطرًا شديدا فشغل عن القتال ثم ركب لينظر موضعًا للحرب فانتهى إلى قريب من سور مدينة سليمان بطهثا وهي التي سماها المنصورة فتلقاه خلق كثير وخرج عليهم كمناء من مواضع شتى واشتدت الحرب وترجل جماعة من الفرسان وقاتلوا حتى خرجوا عن المضيق الذي كانوا فيه واسروا من غلمان الموفق جماعة‏.‏

ورمي أبوالعباس بن الموفق أحمد بن هندي الحيامي بسهم خالط دماغه فسقط وحمل إلى العلوي صاحب الزنج فلم يلبث أن مات فحضره الخبيث وصلى عليه وعظمت لديه المصيبة بموته إذ كان أعظم أصحابه غناء عنه‏.‏وانصر ف الموفق إلى عسكره وقت المغرب وأمر أصحابه بالتحاس ليلتهم والتأهب للحرب فلما أصبحوا وذلك يوم السبت لثلاث بقين من ربيع الآخر عبأ الموفق أصحابه وجعلهم كتائب يتلوبعضهم بعضا فرسانًا ورجالة وأمر بالشذا والسميريات أن يسار بها إلى النهر الذي يشق مدينة سليمان وهوالنهر المعروف بنهر المنذر ورتب أصحابه في المواضع التي يخاف منها ثم نزل فصلى أربع ركعات وابتهل إلى الله تعالى في النصر ثم لبس سلاحه وأمر ابنه أب العباس أن يتقدم إلى السور فتقدم إليه فرأى خندقا فأحجم الناس عنه فحرضهم قوادهم وترجلوا معهم فاقتحموه وعبروه وانتهوا إلى الزنج وهم على سورهم‏.‏

فلما رأى الزنج تسرعهم إليه ولوا منهزمين واتبعهم أصحاب أبي العباس فدخلوا المدينة وكان الزنج قد حصنوها بخمسة خنادق وجعلوا أمام كل خندق سورا فجعلوا يقفون عند كل سور وخندق فكشفهم أصحاب أبي العباس ودخلت الشذا والسميريات المدينة من النهر فجعلت تغرق كل ما مرت له به من سميرية وشذاة وقتلوا من بجانبي النهر وأسروا حتى أجلوهم عن المدينة وعما اتصل بها وكان مقدار العمارة فيها فرسخًا‏.‏

وحوى الموفق ذلك كله وأفلت سليمان بن جامع ونفر من أصحابه وكثر القتل فيهم والأسر واستنقذ أبوأحمد من نساء أهل واسط والكوفة والقرى وغيرها وصبيانهم أكثر من عشرين ألفًا فأمر أبوأحمد بحملهم إلى واسط ودفعهم إلى أهليهم وأخذ ما كان فيها من الذخائر والأموال وأمر بصرفه إلى الأجناد وأسر من نساء سليمان وأولاده عدة وتخلص من كان أخذ من أصحاب الموفق ونجا جمع كثير إلى الآجام فأمر أصحابه برجل منهم جعلا فكان إذا أتي بالواحد منهم عفا عنه وضمه إلى قواده وغلمانه لما كان دبره من استمالتهم‏.‏

وأرسل في طلب سليمان بن جامع حتى بلغوا دجلة العوراء فلم يظفروا به وأمر زيرك بالمقام بطهثا ليتراجع إلى تلك الناحية أهلها ويأمنوا‏.‏

  ذكر مسير الموفق إلى الأهواز وإجلاء الزنج عنها

فلما فرغ أبوأحمد الموفق من المنصورة رحل نحوالأهواز لإصلاحها وإجلاء الزنج عنها فأمر ابنه العباس أن يتقدمه فأمر بإصلاح الطريق للجيوش واستخلف على من ترك من عسكره بواسطة ابنه هارون ولحقه زيرك فأخبره بعود أهل طهثا إليها وأمن الناس فأمره الموفق بالانحدار في الشذا والسميريات مع نصير وتتبع المنهزمين والإيقاع بهم وبمن ظفروا به من الزنج حتى ينتهي إلى مدينة الخبيث بنهر أبي الخصيب وسار‏.‏

وارتحل الموفق مستهل جمادى الآخرة من واسط حتى أتى السوس وأمر مسرورًا بالقدوم عليه وهوعامله هناك فأتاه‏.‏

وكان الخبيث لما بلغه ما عمل الموفق بسليمان بن جامع والزنج خاف أن يأتيه وهوعلى حال تفرق أصحابه عنه وكتب إلى علي بن أبان بالقدوم إليه وكان بالأهواز في ثلاثين ألفا فترك جميع ما كان عنده من طعام ودواب وأغنام وغير ذلك واستخلف عليه محمد بن يحيى

وكتب صابح الزنج أيضًا إلى بهبود بن عبد الوهاب وهوبالفيدم والباسيان وما اتصل بهما يأمره بالقدوم عليه فترك ما كان عنده من الذخائر وسار نحوه فحوى ذلك جميعه الموفق وقوي به على حرب الخبيث‏.‏

ولما سار علي بن أبان عن الأهواز تخلف بها جمع من أصحابه زهاء ألف رجل فأرسلوا إلى الموفق يطلبون الأمان فأمنهم فقدموا عليه فأجرى عليهم الأرزاق ثم رحل عن السوس إلى جند يسابور وتستر وجبى الأموال ووجه إلى محمد بن عبيد الله الكردي وكان خائفًا منه فأمنه وعفا عنه فطلب منه الأموال والعساكر فحضر عنده فأحسن إليه‏.‏

ثم رحل إلى عسكر مكرم ووافى الأهواز ثم رحل عنها إلى نهر المبارك من فرات البصرة وكتب إلى ابنه هارون ليوافيه بجميع الجيش إلى نهر المبارك فلقيه الجيش بالمبارك منتصف رجب‏.‏

وكان زيرك ونصيرًا لما خلفهما الموفق ليتتبعا الزنج انحدرا حتى وافيا الأبلة فاستأمن إليهما رجل أخبرهما أن الخبيث قد أنفذ إليهما عددًا كثيرًا في الشذا والسميريات إلى دجلة ليمنع عنها من يريدها فإنهم يريدون عسكر نصير وكان عسكره بنهر المرأة فرجع نصير إلى عسكره من الأبلة لما بلغه ذك وسار زيرك من طريق آخر لأنه قدر أن الزنج يأتون عسكر نصير من ذلك الوجه فكان ذلك فلقيهم في طريقهم فظفر بهم وانهزموا منه وكانوا قد جعلوا كمينا فدل زيرك عليه فتوغل حتى أتاه فقتل من الكمناء جماعة واسر جماعة‏.‏

وكان ممن ظفر به مقدم الزنج وهوأبوعيسى محمد بن إبراهيم البصري وهومن أكابر قوادهم وأخذ منهم ما يزيد على ثلاثين سميرية فجزع لذلك جميع الزنج فاستأمن إلى نصير منهم زهاء ألفي رجل فكتب بذلك إلى الموفق فأمره بقبولهم والإقبال إليه بالنهر المبارك فوافاه هناك‏.‏

وأمر الموفق ابنه أبا العباس بالمسير إلى محاربة العلوي بنهر أبي الخصيب فسار إليه فحاربه من بكرة إلى الظهر فاستأمن إليه قائد من قواد العلوي ومعه جماعة فكسر ذلك الخبيث وعاد أبوالعباس بالظفر وكتب الموفق إلى العلوي كتابًا يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ركب من سفك الدماء وانتهاك المحارم وإخراب البلدان واستحلال الفروج والأموال وادعاء النبوة والرسالة ويبذل له الأمان فوصل الكتاب إليه فقرأه ولم يكتب جوابه‏.‏